وكالة أنباء الحوزة ــ يبدو أن الإسرائيليين لن ينسوا أبداً تفجيرات منشآت أرامكو النفطية، ولن يتمكنوا من طي صفحتها وتجاوزها بسهولة، ولن يعتبروا الحادث عادياً بين خصمين يقتتلان، يحاول كلٌ منهما أن يضعف الآخر ويخضعه لإرادته وخياراته، فقد أقضت التفجيرات مضجعهم، وأرعبت قادتهم، وأفزعت مؤسساتهم الأمنية والعسكرية، وأشغلت مراكز دراساتهم، وأجبرتهم على التعاقد مع خبراء ومختصين، وعلماء وباحثين، وأمنيين وإعلاميين، ليدلوا بآرائهم، ويفسروا حقيقة ما حدث، ويساهموا في تحديد المسؤولين ومعرفة المنفذين، فتوقف تدفق النفط السعودي لا يقلقهم، وارتفاع أسعاره لا تخيفهم، ولكن التجربة الناجحة تضعهم في قلب العاصفة وعين الهدف القادم، وإن لم تكن محل اهتمام خصومها سابقاً، فقد باتت العملية الناجحة في مركز عملياتهم وصدر أولوياتهم في أي مواجهة قادمة.
فالمسيرات الحديثة التي تطير على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ، والمزودة بتقنياتٍ حديثةٍ تمكنها من الوصول إلى أهدافها بدقةٍ عاليةٍ، وقدرتها على تحديد الأهداف وتصويرها، وقصفها بمتفجراتٍ قويةٍ مركزةٍ، فضلاً عن وفرة المسيرات بأنواعها المختلفة محلياً وتصنيعها وطنياً، وانشغال المهتمين بتطويرها وتحسين أدائها وزيادة فعالياتها، والحوافز المادية والمعنوية الكبيرة التي توفرها القوى المعنية بتطويرها، والميزانيات المالية الضخمة التي تخصصها للأبحاث والتجارب، تجعل الإسرائيليين جميعاً يدركون يقيناً أنهم الهدف القادم، وأن أسراب الطائرات المسيرة ستجتاحهم، وستصيب في عمقها أهدافاً كثيرة، وستلحق بهم خسائر كبيرة وربما هزائم موجعة.
انطلاقاً من هذه التخوفات الحقيقية المتصاعدة، فقد حرك استهداف منشآت أرامكو العديد من الخبراء والعلماء الإسرائيليين، ووجهوا تحذيراتٍ إلى حكومتهم وقيادة أركان جيشهم، أن سماءنا مكشوفة، وأهدافنا مفضوحة، ومراكزنا معلومة، ومصالحنا معرضة، وخصومنا يملكون الكثير من الطائرات المسيرة، ويعرفون نقاط ضعفنا وخواصر كياننا، والأمر لم يعد يتطلب "انتحارياً" يفجر نفسه، ولن يتكبد المنفذون خسائر أكثر من تكلفة العملية وشرف التجربة، كما لن يجدي مع هذا السلاح الحصار وإغلاق المناطق ونصب الحواجز وتفتيش العربات، فالقادم إلينا هذه المرة هو السماء، ولن تقوَ التقنيات الحديثة على رصده، بل يلزم كشفه عيون بشرية تتطلع دوماً فوق رأسها، ولهذا فإن خطرها سيكون أشدُ علينا من أخطار الصواريخ، كونه يُوجه بدقة، ويُعدل مساره، ولا يسقط إلا على هدفه ويصيبه.
كما صرح عددٌ من المهتمين والعلماء الإسرائيليين بضرورة إغلاق مفاعل ديمونة، المعلوم الإحداثيات بدقةٍ متناهيةٍ في عرض الصحراء، منبهين إلى أنه مفاعلٌ قديمٌ عجوزٌ هرمٌ، وأن جدرانه آيلة للتصدع، وسبل حمايته وتحصينه لا تتناسب مع المواصفات العلمية والأمنية المطلوبة، وهي لا تفي بالشروط العصرية للمنشآت النووية الحديثة، وجميع القوى حولنا تحلم بضربه وتخطط لقصفه، وإصابته سيكون لها نتائج مروعة على المجتمع الإسرائيلي، في الوقت الذي سيرفع قصفه الروح المعنوية كثيراً لدى قوى المقاومة.
وأشار المهتمون أنه بالإضافة إلى مفاعل ديمونة، فإنه يوجد عشرات المفاعلات ومراكز الأبحاث النووية الأخرى، وغيرها من المؤسسات والهيئات التي من الممكن أن يؤدي قصفها إلى كوارث كبرى، لا يقوى الشعب على احتمالها، أو الصمود أمامها، وفي حال الحرب واستهداف المدنيين الفلسطينيين، فإن ذلك سيوسع من دائرة استهداف الأطراف الأخرى للتجمعات السكانية الإسرائيلية، وهي تجمعاتٌ متقاربة ومكتظة، الأمر الذي يعني قطعاً فرض معادلة جديدة، ستكون إسرائيل فيها هي الأضعف.
يرى المهتمون الإسرائيليون على اختلاف تخصصاتهم أن الحادث لم يستوفِ حقه الكامل، ولم يخضع للمدى المطلوب من البحث والدراسة، إذ أن مؤشراته على أمن الكيان أكبر بكثير من تداعياته الاقتصادية وآثاره النفسية، فهو بالمفهوم الأمني والعسكري يتجاوز بكثير النتائج الاقتصادية، والقلق الدولي على تدفق النفط العالمي وأسعاره العالمية، فإسرائيل اليوم ليست في موقع الهجوم الاستباقي أو المباغتة المشلة، كما أنها ليست في موقع الردع أو الصد، بل هي اليوم في مقام المدافع عن وجودها، الخائف من استئصالها، والمتوقع زوالها، والقلق من هروب شعبها وهجرة مستوطنيها المعاكسة إلى بلادهم الأصلية أو غيرها.
ويعلنون أن الأخطار الجديدة المحدقة بهم غدت كثيرة ومتنوعة ومتعددة المصادر، فالجوار بكل مكوناته العسكرية الدولية والحزبية، بات قادراً على امتلاك المسيرات الحديثة ذات المحركات النفاثة، والتي تتميز بقدرة كبيرة على التخفي واختيار المسارات والطيران على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ، والمزودة بالصواريخ الدقيقة المتطورة، حيث يمتلك الجوار البعيد والقريب صواريخ كثيرة، بعضها ذكي ودقيق، وبعضها غبيٌ ولكنه مدمر، الأمر الذي يفرض على القيادة العسكرية أن تكون حكيمة في قراراتها، فلا تخترق ولا تنتهك، ولا تستفز ولا تبادر،
ولا تغامر ولا تخاطر، لأن رد المقاومة لم يعد مبيتاً ومؤجلاً، ومحفوظاً في الوقت والزمان المناسبين كما كان معروفاً سابقاً، بل بات الرد جاهزاً، والانتقام حاضراً، والقرار سابقاً، والقدرة على تنفيذه بدقةٍ سهلة وممكنة.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 18/10/2019